-->
موقع محمود العيسوي موقع محمود العيسوي
random

مواضيع تهمك

random
random
جاري التحميل ...
random

موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من التصوف والصوفية




تقديم
الحمد لله العلي الأكرم، خلق الإنسان وعلم بالقلم، وصلى الله على النبي محمد وسلَّم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يعد من أعلام المنهج السلفي، وقد توطَّدت دعائم هذا المنهج على يديه، خاصة مع تصانيفه الوافرة في تأصيل مذهب السلف و نصرته والرد على مخالفيه، إضافة إلى تصانيفه التي تشعبت في شتى ميادين العلوم الإسلامية، من عقيدة وفقه وأصول وتفسير وتصوف وغيرها من العلوم.
 ومن خلال ما انتشر عن شيخ الإسلام بوصفه من آخر أعلام المنهج السلفي أنه من أكثر الناس عداء للتصوف والصوفية على العموم، وأن ذلك ظاهر من خلال أنه قد شن الحرب عليهم وعرض بدعهم ورد عليها، إلا أن هذا التعميم قد يتعارض نوعًا ما إلى ما جاء عن شيخ الإسلام من مواقف تجاه أئمة التصوف الأوائل، وتصنيفه في أصول التصوف كتبًا كالتحفة العراقية، والاستقامة وغير ذلك من الرسائل الموجودة في مجموع الفتاوى.

وكان هذا البحث ليجيب عن السؤالين التاليين:
ما هو موقف شيخ الإسلام من التصوف والصوفية من خلال تراثه؟ وما هو منهجهم في الحكم عليهم؟
هذا، والله الموفق والهادي سواء الصراط.

 

 

 




الفصل الأول
التصوف أصول وضوابط

أولاً: مراتب الصوفية عند ابن تيمية
لقد رتب شيخ الإسلام رحمه الله الصوفية ثلاث مراتب: صوفية حقائق، وصوفية أرزاق، وصوفية رسم.
الأولى: صوفية الحقائق، وهم أهل الزهد والوارع.

الثانية: صوفية الأرزاق، وأما صوفية الأرزاق فهم الذين تم عمل الأوقاف لهم، ولم يشترط لهم العلماء أن يكونوا من أهل الحقائق لأنهم قليلون، فضلاً عن أن أهل الحقائق لا يلتزمون بالتواجد في هذه الأوقاف.

الثالثة: صوفية الرسم، وهم الذين اقتصروا على اللباس والآداب الوضعية، فهؤلاء بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع ما من أقوالهم وأعمالهم؛ بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم[1].

وكما هو واضح: فإنَّ شيخ الإسلام يفرِّق بين هذه المراتب بعضها البعض، فأعلاها المرتبة الأولى وهم أهل الحقائق، وأدناها أهل الرسم الذين يحاولون التشبه بأهل الحقائق، أهل الزهد والأخلاق، وليسوا منهم.
كما أن الواضح من كلام شيخ الإسلام أنه يقرُّ الصنفين الأول والثاني دون الثالث، وإقراره للصنف الثاني ليس معناه جواز ترك العمل والعكوف للعبادة فحسب، فقد رد هذا المبدأ حينما نفى أن يكون أصل الصوفية هم أهل الصفة كما مرَّ معَنا.

ثانيًا: أنواع التصوف عند ابن تيمية من حيث الاعتقاد:
تعرض شيخ الإسلام لعقيدة الصوفية، فذكر منهم من كان على عقيدة السلف؛ كالفضيل بن عياض والجنيد بن محمد وسهل بن عبدالله التستري وعمرو بن عثمان المكي وأبو عبدالله محمد بن خفيف الشيرازي، ثم بين أنه حينما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث وهم خيارهم وأعلامهم، وتارة على اعتقاد صوفية وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة[2].
 ويقول شيخ الإسلام التفريق في بين التصوف والفلسفة: "وأما ابن عربي وابن سبعين وغيرهما ونحوهما فحقائقهم فلسفية غيَّروا عبارتها وأخرجوها في قالب التصوف أخذوا مُخَّ الفلسفة فَكَسوه لِحاءَ الشريعة"[3]، ولا يكتفي بذلك في كلامه على ابن عربي وابن سبعين، بل يصفهما بأنهما من ملاحدة الصوفية؛ وذلك لقولهم بالحلول والاتحاد[4].

وبذلك يكون تقسيم شيخ الإسلام للصوفية أنهم ثلاثة أنواع:
الأولى: صوفية أهل الحديث، وهم الصوفية الأوائل كالجنيد والفضيل، وبالطبع فهم من تلقوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته.

الثانية: صوفية أهل الكلام، كالغزالي.

الثالثة: صوفية الفلاسفة، كالحلاج وابن عربي، والتلمساني.

واستدراكًا على ما لم يره شيخ الإسلام بعد تقدم الزمان صار هناك نوع رابع؛ وهو: الصوفية الطرقية التي تكثر في العالم الإسلامي، وهي غالبًا ما تستقي من الأنواع السابقة، إلا أنها تضيف بدعًا إليها في باب التعبُّد، وقد تصل للشركيات المُخرِجة من ملة الإسلام.

ثالثًا: كلام الشيخ في تقيُّد علم الصوفية بالكتاب والسنة:
كان شيخ الإسلام دائمًا ما يذكر تقيد علم الصوفية بالكتاب والسنة، وكان يستشهد بكلام الشيخ أبي سليمان الداراني في عدم قبول ما يقع في قلبه إلا بشاهدين هما الكتاب والسنَّة، وكان يستشهد بقول أبي القاسم الجنيد - رحمه الله عليه - أن علم الصوفية مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث، لا يصلح له أن يتكلم في التصوف ولا يقتدى به، وينقل عن أبي عثمان النيسابوري قوله أن من أمَّر السنة على نفسه قولاً وفعلاً، نطق بالحكمة، ومن أمر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ وإن تطيعوه تهتدوا ﴾، وقول أبو عمر بن نجيد: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل[5].
فليس كل من انتسب للتصوف صار قوله هو قول الصوفية، فما كان موافقًا للكتاب والسنَّة فهو مقبول، وإلا فهو مردود؛ لأنَّ الهداية كلها في نصوص الوحي، فالمعتبر عن العارفين بالله المذكوريين في كون معيار الولاية الشرعية هو لزوم الكتاب والسنَّة، لذلك أبان شيخ الإسلام أن الصوفية المعيارية هي ما تقيدت بالكتاب والسنة، والمراد بالمعيارية ما يقاس عليه غيرها، والتي تؤدي لمنهج السلف، وأن مَن خالف ذلك فهو ضال زنديق ليس من أهل الطريق؛ لأنه ما من سالك للطريق يستغني عما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يُخالفه في أمره[6]، ومن زعم حصول العلم بغير هذا الطريق فهو عندهم ضال زنديق لأنه لا يجوز قط أن يستغني سالك عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم[7].
وقد نقل شيخ الإسلام أمر الصوفية بالعلم، والحكم بزندقة من أنكر سبيله، فإن كبار مَشَايِخ الصُّوفِيَّة أوصوا به[8]، واتفقوا على وجوب تعلم العلم الشرعي والنظر والاعتبار بما في المخلوقات من الآيات، وأنهم أعظم تجردًا من أهل الكلام والفقه.
وقد أنكر شيخ الإسلام قول بعضهم أن مجرد ترك الشهوات والتجرد المحض يوجب معرفة الحقائق من معرفة ما جاءت به الرسل ومن غير نظر في ذلك وتدبر؛ فهذا ليس طريق القوم الذين لهم في الأمة لسان صدق، ولهذا وصيتهم بالعلم الشرعي والمحافظة عليه في الأصول الخبرية وفي الأعمال أعظم من أن تذكر هنا[9].
وقد ذكر شيخ الإسلام عن السريِّ السقطي أن واحداً منهم دخل عليه، فلما رأى عنده محبرة وقلمًا خرج ولم يجلس عنده، ولهذا أوصى سهل التستري الصوفية ألا يفارقوا المحبرة والأوراق لطلب العلك؛ لأنَّ مفارقتهم زندقة، وذكر الشيخ قول الجنيد: علمنا هذا مبني على الكتاب والسنة، فمن لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الشأن[10].


الفصل الثاني
موقف شيخ الإسلام من أعلام التصوف وعلومهم

الموقف الأول: توثيق المتقدمين وتجريح المتأخرين من الصوفية:
كان من منهج شيخ الإسلام التفريق بين متقدمي الصوفية ومتأخريهم؛ فالمتقدمون منهم أهل علم وورع وتقوى، بخلاف المتأخِّرين الذين أدخلوا الفلسفة في التصوف وحاولوا الجمع بينهما، فكان شيخ الإسلام دائمًا ما يذكر المتقدمين ويترضى عليهم، ويذكر المتأخرين ويتبرأ منهم، وذكر أنه وإن ادعى أحد الصوفية أن ابن عربي واحد منهم، فهو من صوفية الملاحدة الفلاسفة، وليس من صوفية أهل العلم، فضلاً عن أن يكون من مشايخ أهل الكتاب والسنة كالفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والجنيد، وسهل بن عبدالله التستري وأمثالهم، وحينما ذكر هؤلاء العلماء قال: "رضوان الله عليهم أجمعين"[11]، وهذا دليل على رضى شيخ الإسلام عن عقيدة الأوائل، وعدم رميهم بالبدعة، أو تعميم الأحكام مثلما شاع في المناهضين للتصوف جملة وتفصيلاً.
ورغم إنصاف شيخ الإسلام للمتقدمين، إلا أنه كان شديدًا في الإنكار على المتأخرين، فقد كان مناهضًا لابن سبعين وأمثاله ممن يكسون كلامهم بعبارات الصوفية والصوفية العارفون يعلمون أنهم كفار، وإن شيوخ الصوفية الكبار كالفضيل وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الداراني وعمرو بن عثمان الشبلي والجنيد وسهل بن عبدالله التستري وأبي عبدالله محمد بن خفيف الشيرازي كانوا من أعظم الناس تكفيرًا لهؤلاء[12].
 كما كان شيخ الإسلام يذكر جوانب من تعظيم الصوفية الأوائل للشعائر بخلاف المتأخرين الذين حاولوا التحلل من الواجبات واستحلوا المحرمات كالتلمساني، وأظهر أن مذهب الأوائل يخالف هذا المذهب وأنهم كانو أعظمهم نكيرًا عليه وعلى أهله، فكان علماء الصوفية المشهورون كالفضيل وأبي سليمان الداراني والجنيد وسهل بن عبدالله التستري وعمر بن عثمان المكي وأبي عثمان النيسابوري وابن خفيف الشيرازي ويحيى بن معاذ الرازي وأمثالهم من الكلام في إثبات الصفات والذم للجهمية والحلولية ما لا يتسع هذا الموضع[13].

والإنصاف مع المخالف لا يعني التمييع، وهذه القاعدة موجهة لمن يحاول الذب عن عقيدة السلف، وذلك بالشدة على أهل البدع، فبالرغم من أن الشدة على أهل البدع أمر محمود في الدين لأنه من الجهاد باللسان، لكن شتان ثم شتان بين تتبع المسائل ودراستها والتحقيق فيها، وبين من سلك مسلك الحكام المجملة، فكلام شيخ الإسلام في مدح الصوفية ليس معناه إذابة الفوارق بين الصوفية ككل، وبين أهل السنة، وهذا ما يستغله بعض متأخري الصوفية حينما يستدلون بأقوال شيخ الإسلام في الصوفية المتقدمين على أنه مدح للصوفية ككل، بل للأوائل منهم الذين كانوا على عقيدة السلف الصالح.

الموقف الثاني: بيان شيخ الإسلام في موافقة عقيدة الصوفية الأوائل لعقيدة السلف:
كان شيخ الإسلام كثيرا ما يذكر أعلام التصوف المتقدمين، ويثني عليهم، ويبين موافقتهم لعقيدة السلف ومخالفتهم لطريقة من جاء بعدهم من الفرق، وكان يستشهد بأقوالهم في أن من لم يوافق عقيدة السلف لا يستحق أن يكون وليا لله، ويستدل على ذلك بقول أبي محمد عبدالقادر بن عبدالله الجيلي حينما سئل: "هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟"، فقال: " مَا كَانَ وَلَا يكون"[14].
 وكان شيخ الإسلام مدافعًا عن عقيدة الصوفية الأوائل، ويشهد لهم بالعلم والفضل، من ذلك أنه ذب عنهم ورد على من شنع عليهم في مسألة نفي الصفات الإلهية، فقال أن شيوخ الصوفية المشهورون عند الأمة كالجنيد وسهل بن عبدالله التستري وعمرو بن عثمان المنكي وأبي العباس بن عطاء بل مثل أبي طالب المكي وأبي عبدالرحمن السلمي وأمثال هؤلاء محال أن يكونوا كالجهمية في سلب الصفات[15].
وقد بين شيخ الإسلام أن عقيدة الصوفية التي صنفها القشيري توافق كثيرا من اعتقاد الأشعرية الذي غالبه مُوَافق لأصول السّلف، إلا أن الثابت عن أكابر الصوفية كالفضيل وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والجنيد وسهل بن عبدالله التستري يوافق ما كان عليه السلف، وقد جمع أَبُو بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْكلاباذى كتاب التعرف لمذاهب التصوف الذي هو أصوب وَأقرب إِلَى مَذْهَب سلف الْأمة[16].

وكان شيخ الإسلام يحتج بعقيدتهم في علو الله على عرشه، فذكر موقف الشيخ الصوفي أبي جعفر الهمداني مع أبي المعالي الْجُوَيْنِيّ وَهُوَ يَقُول كَانَ الله وَلَا عرش وَهُوَ على مَا عَلَيْهِ كَانَ، فَقَالَ الهمذاني: يا شيخ دَعْنَا من ذكر الْعَرْش أخبرنَا عَن هَذِه الضَّرُورَة الَّتِي نجدها فِي قُلُوبنَا فَإِنَّهُ مَا قَالَ عَارِف قطّ يَا الله إِلَّا وجد من قلبه ضروره بِطَلَب الْعُلُوّ وَلَا يلْتَفت يمنة ولايسرة فكيف ندفع هذه الضَّرُورة عن قلوبنا قال فصرخ أبو المعالى ولطم على رأسه وَقَالَ حيرني الهمدانى حيرني الْهَمدَانِي[17].
كما نقل عن الإمام العارف معمر بن أحمد الأصبهاني حيث وصفه بمفتي الصوفية العارفين[18] وشيخ الصوفية في أواخر المائة الرابعة قوله حينما أراد أن يوصي أصحابه فأوصاهم بما عليه أهل السنة والجماعة، أصحاب العقيدة النقية قائلاً: "أَحْبَبْت أَن أوصى أَصْحَابِي بِوَصِيَّة من السُّنَّة وموعظة من الْحِكْمَة وَأجْمع مَا كَانَ عَلَيْهِ أهل الحَدِيث والأثر وَأهل الْمعرفَة والتصوف من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين قَالَ فِيهَا وإن الله اسْتَوَى على عَرْشه بِلَا كَيفَ وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَأْوِيل، والاستواء مَعْقُول، والكيف فِيهِ مَجْهُول، وَأَنه - عز وَجل - مستو على عَرْشه بَائِن من خلقه والخلق بائنون مِنْهُ بِلَا حُلُول وَلَا ممازجة وَلَا اخْتِلَاط وَلَا ملاصقة؛ لِأَنَّهُ الْفَرد الْبَائِن من الْخلق الْوَاحِد الْغَنِيّ عَن الْخلق، وَأَن الله سميع بَصِير عليم خَبِير يتَكَلَّم ويرضى ويسخط ويضحك ويعجب ويتجلى لِعِبَادِهِ يَوْم الْقِيَامَة ضَاحِكا وَينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَيفَ شَاءَ"[19].
 ونقل الشيخ اتفاق الصوفية وأهل الحديث على نفي التجسيم والتعرض للتركيب في حق الله فقال أنهم لا يتعرضون للتركيب والتجسيم، والتبعيض وكل الألفاظ المبتدعة لا بنفي ولا إثبات، وأنهم ينزهون الله عما نزه عنه نفسه، وهم متفقون على أنه لا يمكن تفريقه ولا تجزئته. بمعنى انفصال شيء منه عن شيء، وأن هذا القول مأثور عن سلف الأمة وعليه أئمة الفقهاء وأئمة الحديث، وأئمة الصوفية، وأهل الاتباع المحض من الحنبلية[20].
 كما أن شيخ الإسلام كان يستدل بفهمهم في مسألة المحبة أنها المحبة الحقيقية التي تشمل الواجبات والمستحبات الظاهرة، وأن هذِه الْمحبَّة حق كَمَا نطق بهَا الْكتاب وَالسّنة، وأن العقيدة الصحيحة التي عليها سلف الْأمة وأئمتها وَأهل السّنة والْحَدِيث وَجَمِيع مَشَايِخ الدّين وأئمة التصوف أَن الله مَحْبُوب لذاته محبَّة حَقِيقَة بل هِيَ أكمل محبَّة[21].

وجملة هذه العقائد التي ذكرها شيخ الإسلام عن الصوفية توافق العقيدة السلفية النقية التي أقرها علماء السلف في مصنفاتهم، وهو الإيمان بالله وبما ورد عن الله بمراد الله دون تحريف أو تأويل أو تشبيه أو تعطيل، والإيمان بصفات الله الذاتية والفعلية ومباينة الله لخلقه، وعلوه على عرشه وغير ذلك كثير مما لم يتسع المقام لذكره في هذا المقام.

الموقف الثالث: اعتراف شيخ الإسلام بصيانة أئمة الصوفية الأوائل طريقتهم من البدع بالعلم:
حينما أراد شيخ الإسلام بيان صيانة الصوفية الأوائل مذهبهم من البدع والمحدثات استدل بقول القشيرى رَحمَه الله: "اعلموا أَن شُيُوخ هَذِه الطَّائِفَة بنوا قَوَاعِد أَمرهم على أصُول صَحِيحَة فِي التَّوْحِيد صانوا بهَا عقائدهم عَن الْبدع ودانوا بِمَا وجدوا عَلَيْهِ من السّلف وَأهل السّنة من تَوْحِيد لَيْسَ فِيهِ تَمْثِيل وَلَا تَعْطِيل"، ثم علق شيخ الإسلام على قول القشيري بأنه كلام أئمة السلف والصوفية[22]، وهذا دليل على أن هذه الأمور من المجمع عليها.
 وليس ذلك هو مناط الصيانة للمذهب فحسب، وإنما كان العلم المقتضي للصراط المستقيم وعدم الحيد عنه، لذلك أشار شيخ الإسلام إلى أن منهج الصوفية الأوائل هو اتباع العلم المشروع، وذلك بخلاف المنحرفين المغرضين المعرضين عن العلم والعمل، وهؤلاء هم المنحرفون الموافقين لعقيدة اليهود والنصارى[23]، وقد ذكرنا طرفًا منه في الفصل السابق في بيان ضبط علم الصوفية الأوائل بالكتاب والسنة.
 وحينما أراد شيخ الإسلام الرد على متأخري الصوفية الذين وقع فيهم القول بالحلول والاتحاد ذكر قول الجنيد: "أول مَا يحْتَاج إِلَيْهِ العَبْد من عقد الْحِكْمَة معرفَة الْمَصْنُوع صانعه والمحدث كَيفَ كَانَ إحداثه فَيعرف صفة الْخَالِق من الْمَخْلُوق وَالْقَدِيم من الْمُحدث"، ثم علق شيخ الإسلام على هذا الكلام بأنه كلام حسن، في التمييز بين الخالق والمخلوق حتى لا يقع السالك في الطريق الصوفي في الحلول والاتحاد، وأن هذا هو سبيل أهل الطريق الصوفي، ومن لم يكن كذلك فليس منهم[24]، وذلك إشارة لمن لم يسلك مذهبهم من المتأخرين ممن قال بالحلول والاتحاد.

وكان شيخ الإسلام دائما ما يستدل على المتأخرين بمذهب ومنهج المتقدمين، من ذلك عرضه لخطأ منهج المتأخرين في القدر، فقد وضح أنه من أراد النجاة من أهل الطريق الصوفي فعليه بمنهج المتقدمين من أئمة الصوفية، إلى أن قال: "فمن سلك مسلك الجنيد، من أهل التصوف والمعرفة، كان قد اهتدى ونجا وسعد، ومن لم يسلك في القدر مسلكه، بل سوى بين الجميع، لزمه ألا يفرق بين الحسنات والسيئات، وبين الأنبياء والفساق"[25].

الموقف الرابع: الاستدلال بمنهجهم والنقل عنهم في بيان عقيدته لأهل الأمصار:
وقد كان من منهج شيخ الإسلام في تصانيفه لأهل الأمصار لبيان عقيدته الاستشهاد بالصوفية الأوائل، مما يعني أنهم حجة له ولمخالفيه، ويرى أنهم أصحاب علم مستقل يسمى التصوف، وأن فهمهم ومنهجهم موافق لما عليه سلف الأمة، يقول شيخ الإسلام في مسألة المحبة وتأويلها: "وَالَّذِي عَلَيْهِ سلف الْأمة وأئمتها وَأهل السّنة والْحَدِيث وَجَمِيع مَشَايِخ الدّين وأئمة التصوف أَن الله مَحْبُوب لذاته محبَّة حَقِيقَة بل هِيَ أكمل محبَّة فَإِنَّهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى الْبَقَرَة وَالَّذين آمنُوا أَشد حبا لله"[26].
 والمراد بأئمة التصوف في قول شيخ الإسلام هم المتقدمين منهم الذين كانوا أئمة من أئمة السلف، ليس المقصود منهم المبتدعة والمتفلسفين ومن خالفوا منهج السلف في العقائد والأعمال، وهذا يرد على من يستدل بأقوال شيخ الإسلام في التوثيق المطلق للصوفية المتقدمين عنه، فالشيخ كانت وفاته في القرن الثامن عام 728هـ، وإلى هذه السنة قد مر التصوف بمراحله كلها، إلا أن مرحلته الأخيرة التي هي الطرقية التي مازالت مستمرة إلى الآن، فالمدح الصادر من شيخ الإسلام إنما كان في الصوفية الأوائل الذين كانوا على منهج السلف ومن تابعهم في هذا المنهح، وليس في المتأخرين منهم.
 وحينما كان يرسل شيخ الإسلام للأمصار رسائله في العقيدة كان يرسل لهم مستدلا بأقوال أئمة التصوف، ففي رسالته لأهل حماة يقول مستشهدا بأقوال معمر بن أحمد الأصبهاني شيخ الصوفية في حدود المائة الرابعة في بلاده ويلقبه بـ"الإمام العارف"، وينقل عنه عقيدته أن الله استوى على عرشه بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معقول والكيف فيه مجهول، وأنه عز وجل بائن من خلقه، والخلق منه بائنون بلا حلول ولا ممازجة، ولا اختلاط ولا ملاصقة، لأنه المنفرد البائن من خلقه، الواحد الغني عن الخلق، وأن الله عز وجل سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكًا، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا كيف شاء فيقول: «هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر»، ونزول الرب إلى السماء بلا كيف ولا تشبيه، ولا تأويل، وأن من أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال، وسائر الصفوة من العارفين على هذا، كما كان ينقل من أقوال الفضيل بن عياض أنه كان ينسب عقيدة الرؤية للصوفية قاطبة لا يستثني منهم أحدًا[27].

الموقف الخامس: اعتماد شيخ الإسلام لعلوم الصوفية والثناء عليها:
حينما سُئِلَ شيخ الإسلام عن كتابي قوت القلوب والإحياء، أجاب أن كتاب قوت القلوب به من أعمال القلوب أمور جيدة، أثنى على مادته خاصة ما بها من أعمال القلوب، وبين أن صاحبه من أهل الحديث، وأنه أعلم بكلام الصوفية وغيرهم من الغزالي، وأن كلامه أجود تحقيقا وأبعد عن البدعة، إلا أن به أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة[28].
وأما كتاب (الإحياء) فذكر أن ما فيه من الكلام في " المهلكات " غالبه منقول من كلام المحاسبي في كتاب الرعاية، وبين أن منه المقبول والمردود وما هو محل نزاع، ورغم ما به من فوائد جمة إلا أن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، كما يحتوي عل أحاديث وآثار ضعيفة وموضوعة وأغاليط للصوفية، وكل ذلك أنكره العلماء عليه، ورغم ذلك ففيه من كلام مشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة ما هو أكثر مما يرد منه فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه[29].
 وكما هو واضح اعتبار الشيخ لجهودهم ومصنفاتهم في أعمال القلوب، مما أدى إلى التنازع في هذه التصانيف، وهذا التنازع الذي ذكره شيخ الإسلام كان مجملا، فإنه لا ينبغي للمبتدئ في طلب العلم أن يقرأ ما لا يستطيع أن يميز بين ما بها من الطيب والخبيث، فلا يجوز له مطالعتها إلا للعالم أو طالب العلم المتكن لأنها غير مأمونة.

الموقف السادس: اعتماد شيخ الإسلام للصوفية كنوع ثالث للعلماء:
ومما أشار إليه شيخ الإسلام اعتماد الصوفية كنوع مستقل من العلماء، فحينما أشار إلى وجود الصحيح والضعيف في كتب الفقه، أشار لمثله في نوع آخر من الكتب أسماه "كتب الرَّقَائِق والتصوف"، وأشار إلى أن المصنفين قد يكونُونَ أَئِمَّة فِي الْفِقْه أَوْ التصوف اَوْ الحَدِيث، ثم أخذ يعرض وجهات النظر في رواية الأحاديث المكذوبة[30]، والشاهد من كلام شيخ الإسلام اعتباره أن هناك نوع معين من العلوم يدعى التصوف، وأن هذا العلم له أئمة، وهذا العلم هدفه الرقائق والأخلاق وأعمال القلوب، وعنوان الرقائق هو من باب عطف الخاص على العام، وهو أمر مباح لما للخاص من أهمية، فهو كقوله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].

الموقف السابع: الإنكار عليهم في البدع والمحدثات التي أدخلوها في الدين:
أنكر شيخ الإسلام كل المرويات التي استدل بها الصوفية في عدة الأولياء، والأبدال، والنقباء، والنجباء، والأوتاد، والأقطاب، مثل أربعة، أو سبعة، أو اثني عشر، أو أربعين، أو سبعين، أو ثلاثمائة، أو ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو القطب الواحد، وقال أنه ليس في ذلك شيء صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ[31].

ولا شك أن هذا الموقف من شيخ الإسلام هو الموقف الصحيح الذي جاء الأنبياء من أجله، بقطع الوسائط بين الخالق والمخلوق، لأن الله قد خلق الإنسان وهو أقرب إليه من حبل الوريد، و النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا، فكيف يستعين المرء بالمخلوق، وخالقه أرحم به، وأقدر على الإجابة إليه؟!.

ومما أنكره الشيخ عليهم ترك بعضهم العمل لظنهم بلوغ الطريق، حينما سئل شيخ الإسلام عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد صاروا أرقى منزلة فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم العوام، ولو رقت منزلتهم لسقطت عنهم، فأجاب قائلا: "لا ريب عند أهل العلم والإيمان أن هذا القول من أعظم الكفر وأغلظه. وهو شر من قول اليهود والنصارى؛ فإن اليهودي والنصراني آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وأولئك هم الكافرون حقا كما ذكر أنهم يقرون بأن لله أمرا ونهيا ووعدا ووعيدا وأن ذلك متناول لهم إلى حين الموت"[32].

وكما هو ظاهر أن هذا القول من هذه الطائفة من الصوفية يشابه قولها قول غلاة المرجئة، فالعمل لا فائدة له لديهم، وإنما هو لمن لم يصل لمرتبتهم، وهذا كفر وضلال مبين لا برهان لهم به.

وأنكر عليهم وقوعهم في المعاصي والفسوق، وآخرون في الكفر، حتى جَوَّزوا عبادة الأصنام، ومنهم انتقال كثير منهم إلى وحدة الوجود، وهم بذلك يخالفون الجنيد وأئمة الدين في التوحيد،، فإن من قالوا بوحدة الوجود صرحوا بعبادة كل موجود، وهؤلاء كابن عربي الحاتمي، وابن سبعين، والقونوي، والتلمسانى، والبليانى، وابن الفارض، وأمثالهم.
 وأنكر شيخ الإسلام على من ادعي النبوة والرسالة منهم، كالسهروردي المقتول، فإنه كان يقول لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر، وكان ابن سبعين يقول: لقد زرب أبن آمنة حيث قال: لا نبي بعدي ويقال إنه كان يتحرى غار حراء لينزل عليه فيه الوحي، وابن عربي ادعى ما هو أعظم من النبوة عنده، وهو ختم الولاية، فخاتم الأولياء عنده أفضل من خاتم الأنبياء في العلم بالله، وهو يقول إن جميع الأنبياء والرسل يستفيدون من مشكاة هذا الخاتم المدعي بمعرفة الله التي حقيقتها وحدة الوجود، وهي تعطيل الصانع سبحانه التي هي سر قول فرعون، فإنه لما علم استحالة ادعاء النبوة، ابتدع هذه المقولة.
 والقاعدة: أنه لا معصوم تحت أديم السماء يحتج بقوله وفعله، وكل يؤخذ منه ويرد، إلا الأنبياء، فلا يجب التعصب لأحد من أهل القبلة أيا من كان، ومتى ورد عنه ما يخالف الشرع فهو رد، ولا عبرة بمذهبه، فالحق أحق أن يتبع، ومتى ظهر فسق الرجل بعد ما كان عليه من تقوى فهو فاسق، ولا يوصف من كان يقول بتعديله بأنه مثله، لأنه لم يكن يعلم من حاله الفسق، وهذا كثيرا ما يحدث في الحكم على المخالف، فالأصل جهالة الحال، فمتى علمت حال الرجل بجرح أو تعديل فلك أن تتكلم، وإلا فقد يصيبك الحكم بالظن المنهي عنه.








الفصل الثالث
بعض قواعد شيخ الإسلام
في الحكم على قضايا التصوف والصوفية

القاعدة الأولى: فهم التصوف الصحيح يكون من أقوال أئمة الصوفية المتقدمين دون المتأخرين:
رغم معاصرة شيخ الإسلام للصوفية المنحرفين كالرفاعية وغيرهم، واطلاعه على أقوال الصوفية المتأخرين كالحلاج وابن عربي، إلا أنه لم يكن يعتمد كلام هؤلاء المتأخرين في فهم التصوف الصحيح، وإنما التصوف الصحيح الذي يمكن أن يقال أنه معياري هو ما كان مأخوذا من منابع التصوف لا من فروعه، هذا الأصل الذي يمتد إلى آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظ القرآن وكتابه السنة والتقيد بكل هذا، وكان شيخ الإسلام يحتج بقول الجنيد: الطّرق كلهَا مسدودة على الْخلق إِلَّا من اقتفى أثر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ ايضا من لم يحفظ الْقُرْآن وَيكْتب الحَدِيث لَا يقْتَدى بِهِ فِي هَذَا الْأَمر لِأَن علمنَا هَذَا مُقَيّد بِالْكتاب وَالسُّنة، وقول أَبُي عُثْمَان حين قال: من امْر السّنة على نَفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة وَمن أَمر الْهوى على نَفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة، وقول أَبُو حَمْزَة الْبَغْدَادِيّ: من علم الطَّرِيق إِلَى الله سهل عَلَيْهِ سلوكه وَلَا دَلِيل على الطَّرِيق إِلَى الله إِلَّا مُتَابعَة الرَّسُول فِي أَحْوَاله وأقواله وأفعاله، فطريق الأوائل كان هو الكتاب والسنة، وإن ورد عن أحدهم ما ينافي الكتاب والسنة فهم ليسوا معصومين، وليس فعلهم حجة ما داموا يخالفون الكتاب والسنة.
ولم يكتف شيخ الإسلام بأن يتم أخذ المذهب وفهمه من الصوفية الأوائل فحسب، فنهى أهل الاستقامة أن يأخذوا المذهب عن أهل الضلالة ممن يغلب عليهم الوجد، فيزول عقله ويحلق لحيته ويذهبوا به إلي البيمارستان، ويسقط عنه التمييز بين الحق والباطل، إلى أن قال: "وَمن كَانَ بِهَذِهِ الْحَالة لم يجز أَن يَجْعَل كَلَامه وَحده أصلا يفرق بِهِ بَين أَئِمَّة الْهدى والضلال وَالسّنة والبدعة وَالْحق وَالْبَاطِل لَكِن يقبل من كَلَامه مَا وَافق فِيهِ أَئِمَّة الْمَشَايِخ وَهُوَ مَا دلّ عَلَيْهِ الْكتاب وَالسُّنة".
وحينما عرض شيخ الإسلام قضية منزلة العمل الظاهر من الإيمان، تكلم في أن مذهب تاركي الأعمال هو مذهب الزنادقة، وأنه لا يصح نسبه مذهب ترك الأعمال مطلقا للصوفية، فكما أن أئمة الفقه برءاء ممن أحدثه من جاء بعدهم، فكذلك أهل التصوف، يقول شيخ الإسلام: "فكما أن أولئك الأئمة الفقهاء برءاء من بدع أهل الكلام فضلا عن بدع الفلاسفة من الباطنية ونحوهم فكذلك المشايخ الصوفية برءاء من بدع أهل التصوف فضلا عن بدع من دخل فيهم من المتفلسفة وغيرهم فهذا أصل عظيم ينبغي معرفته".
 وكان شيخ الإسلام يستشهد بأئمة الصوفية المتقدمين في فهم الكرامات، فذكر ما قاله أبو علي الجوزجاني أنه قال: "كن طالبًا للاستقامة لا طالبًا للكرامة، فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة"، ثم ذكر قول السهروردي في عوارفه أن المتأخرين من سالكي الطريق حينما سمعوا عن كرامات السلف الصالحين المتقدمين تطلعوا إلى شيء منها، وكان منهم من يظل منكسر القلب متهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يكاشف بشيء من ذلك، ثم بين شيخ الإسلام الحكمة من الكرامات، وأنها ليست ملازمة للطاعة.
وبين أن الحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة تفننا فيقوى عزمه على هذا الزهد في الدنيا والخروج من دواعي الهوى، وقد يكون بعض عباده يكاشف بصدق اليقين ويرفع عن قلبه الحجاب، ومن كوشف بصدق اليقين أغني بذلك عن رؤية خرق العادات؛ لأن المراد منها كان حصول اليقين وقد حصل اليقين فلو كوشف هذا المرزوق صدق اليقين بشيء من ذلك لازداد يقينا. فلا تقتضي الحكمة كشف القدرة بخوارق العادات لهذا الموضع استغناء به وتقتضي الحكمة كشف ذلك الآخر لموضع حاجته وكان هذا الثاني يكون أتم استعدادا وأهلية من الأول. فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة فهي كل الكرامة. ثم إذا وقع في طريقه شيء خارق كان كأن لم يقع فما يبالي ولا ينقص بذلك. وإنما ينقص بالإخلال بواجب حق الاستقامة. فتعلم هذا؛ لأنه أصل كبير للطالبين والعلماء الزاهدين ومشايخ الصوفية.
ومع الاستدلال بأن الصوفية المعيارية الصحيحة هي صوفية الأوائل، فقد أنكر شيخ الإسلام أن يؤخذ مذاهب أولياء الله الصالحين من المتأخرين أصحاب كالحلاج وابن عربي، وقال أنه من القبح بمكان أن تؤخذ العقيدة والكلام في أصول الدين ممن قتل زندقة، ووقع في الفسق أو الكفر، فهذا من الخلط البين والفساد في المنهاج.

القاعدة الثانية: إتباع منهج العدل والإنصاف في الحكم على المخالف:
أبان شيخ الإسلام أن العلماء الذين أخطؤوا في الحكم على الصوفية صنفان:
الأول: طائفة ذمت الصوفية والتصوف، وقالوا: إنهم مبتدعون خارجون عن السنة.
الثاني: طائفة غلت فيهم وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء.
ثم أبان شيخ الإسلام حكمه في كلا الموقفين بقوله أن كلا طرفي هذه الأمور ذميم، والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كغيرهم، ففيهم السابق، وفيهم المقتصد، ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه عاص لربه.
وتطبيقًا لهذا المنهج فقد قال شيخ الإسلام في القشيري أن ما كتبه فيه حق وباطل، وفيه نقص عن طريقة السلف، وفيه كلمات مجملة، وأحاديث ضعيفة، إلا أنه لا يجوز رفع التصوف فوق شأنه مطلقا أو ذمه مطلقا، موضح أن العدل والإنصاف أولى في الحكم، وكان ذلك سبب كتابته لكتاب الاستقامة، حتى يقف ويبين سبيل الأمة الوسط في الحكم على التصوف، وبيان طريقه الصحيح، وأن الوسطية ليست أن يرفع التصوف فوق قدره، أو أن يحط من قدره.
وهذا العدل والإنصاف من شيخ الإسلام رغم ما رآه من صوفية عصره، وعداوتهم الظاهرة له، والمناظرات التي عقدت بينهم، خاصة الطائفة الأحمدية، وابن عطاء الله السكندري، وكونهم سببا في سجنه عدة مرات، إلا أن ذلك لم يدفعه أن يظلمهم ويحكم عليهم حكما واحدا عاما، وإنما الحكم على الأشخاص يتطلب الورع والتجرد لله، وغايته النصح للمسلمين، فكما أنه كان شديدا على أهل الأهواء الذين ضلوا وأضلوا، إلا أنه كان منصفا مع الأوائل منهم.

وهذا الإنصاف معهم في تأويل كلامهم وحمله على الحسن منه، والتأول لهم في بعض المواطن كان جليا في بعض المواطن، نذكر منها:
الأول: تفسير شيخ الإسلام للتوحيد عند الجنيد: ومما ذهب إليه شيخ الإسلام حينما حكى كلام الجنيد عن التوحيد أنه إفراد القدم من الحدث، فقال: " قلت هَذَا الْكَلَام فِيهِ إِجْمَال والمحق يحملهُ محملًا حسنا وَغير المحق يدْخل فِيهِ أَشْيَاء"، وهذا معناه أنه لا بد من حمل الكلام محملا حسنا، وأنه ليس من الإنصاف إدخال أمور أخرى فيه، والمحمل الحسن ليس هو المحمل الشرعي الذي يوافق الدين، وإنما ما يوافق غالب كلام الشخص كما سيتبين بعد.

الثاني: مسألة السماع الصوفي عند المتقدمين:ويقول شيخ الإسلام أَن الْكَلَام الْمُجْمل من كَلَامهم لا بد أن يحمل على مَا يناسب سَائِر كَلامهم، فقد تأول شيخ الإسلام للصوفية الأوائل في بعض ما صدر منهم كمسألة السماع، وقال أن هذه المسألة لم تكن في القرون الثلاثة المفضلة، فلم يجْتَمع على هَذَا السماع الْمُحدث ولا كان هناك من أحدٍ يمزق ثِيَابه وَلَا يرقص فِي سَماع، بل لما حدث التغبير بالعراق فِي أَوَاخِر الْمِائَة الثَّانِيَة وَكَانَ أَهله من خِيَار الصُّوفِيَّة، وتكلم عنه الشافعي ووصفه بالبدعة قائلا: خلفت بِبَغْدَاد شَيْئا أحدثته الزَّنَادِقَة يسمونه التغبير يصدون بِهِ النَّاس عَن الْقُرْآن، قال فيه شيخ الإسلام أنهم متأولين، وأنهم من أهل الصدْق وَالْإِخْلَاص وَالصَّلَاح، وأن حسناتهم قد غمرت مَا كَانَ لَهُم من السَّيِّئَات أَو الْخَطَأ.
ومما ذكره شيخ الإسلام عن الجنيد أنه كان يكره التكلف في حضور هذه المجالس لأنه موطن فتنة، وذكر قول الجنيد: "السماع فتْنَة لمن طلبه ترويح لمن صادفه".
ومن هنا يمكن أن نقول حكم شيخ الإسلام عليهم أنهم متأولين، هذا خاص بما أحدثه طائفة من الأوائل ووقعوا فيه في هذه المسألة، وهذا إدراك من شيخ الإسلام لحجم المسألة ونوعيتها، ومن ثم ينزلها المنزلة التي تنبغي لها، وكذلك نراه لم يعمم الحكم على كل من وصف بالتصوف ممن خالف الكتاب والسنة، واتبع الطرق ووقع في الشرك والكفر ممن جاء بعدهم، لأن ذلك يكون بمثابة التقليد الأعمى الذي نهى القرآن عنه.

القاعدة الثالثة: التحقيق في نسبة الأشخاص للصوفية حتى لا تنسب أقوالهم وأفعالهم للتصوف:
لم يكن شيخ الإسلام يقبل نسبة الرجل للتصوف بمجرد محاولة أن ينسبه أحد لهم، وكانت القاعدة عند شيخ الإسلام هو وجود ما يمكن أن نسميهبالتصوف المعياري، وهو التيار الذي يتميز بالعقيدة السلفية الممتزجة بالزهد والسلوك، فمن خالفها، أو حاول أن يشوبها بالفلسفة والكلام فانتسابه للتصوف مرفوض، لذلك رفض شيخ الإسلام انتساب طوائف من أهل البدع والزندقة للصوفية، وبين أنهم عند المحققين ليسوا منهم، كالحلاج وابن عربي، ومن ذلك ما ذكره عنهم في تبرؤهم من الحلاج بقوله: " وَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْعَالِمُونَ بِحَالِ الْحَلَّاجِ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ يُعَظِّمُهُ".

القاعدة الرابعة: مراعاة انطباق الشروط وانتفاء الموانع في الحكم على الصوفية:
وحينما تكلم شيخ الإسلام عن السكر الصوفي والجذب، فرق بين ما هو حاصل بسبب مشروع كتلاوة القرآن، وبين ما يحصل بسبب غير مشروع، كمن بتناول الحشيشة أو الخمر، فشتان بين من لم يصدر منه تفريط أو عدوان، وإن صدر عنه فلا ذنب له فيه، كمن سمع القرآن السماع الشرعي ولم يفرط بترك ما يوجب له ذلك، وكذلك ما يرد على القلوب من السكر والفناء وما يغيب العقل بغير اختيار، فإنه إذا لم يكن السبب محظورا لم يكن السكران مذموما بل معذورا فإن السكران بلا تمييز، أما إن حصل بتناول السكر من الخمر والحشيشة فإنه يحرم بلا نزاع بين المسلمين، وإن استحل السكر فهو كافر.
ويقول أيضا في بعض الشطحات الواردة عنهم أنها قد تكون من السكر والغيبة التي ينتج عنها وجد دون تمييز فينتج عنه بعض الفناء، والتي قد ينتج عنه الشطح كالقول الذي صدر من أبي يزيد البسطامي حين قال: سبحاني، أو ما في الجبة إلا الله، ثم علق شيخ الإسلام على ضابط الحكم على ذلك بقوله أن كلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى، وأما إن كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا لا فرق في ذاك بين السكر الجسماني والروحاني؛ فسكر الأجسام بالطعام والشراب وسكر النفوس بالصور وسكر الأرواح بالأصوات.
 وهذا ضابط هام في التفريق بين من يجد حلاوة الإيمان التي قد تصل للنشوة، والتأثر بالنصوص والعيش معها، فيبكي في مواضع العذاب والجحيم، ويستبشر في مواضع الثواب والنعيم، و النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في رفع القلم عن هؤلاء: "رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ.
 ومن هذه الضوابط التي أخذها شيخ الإسلام مراعاة قصد المتكلم، فحينما أراد شيخ الإسلام شرح مفهوم الحلول، فرق بين القصد وعدمه، فقد وضح شيخ الإسلام أن لفظ الحلول قد يراد به حلول الشيء ذاته تارة كعقيدة الحلول عند النصارى، وحلول معرفته ومحبته تارة، كقول الواحد منا "أنت ساكن في قلبي"، فهو كقول العامة، ولم يفهم أحد من الكلام أن الله حال فيه، فهو كما يقال أن الله في قلوب العارفين، وكما يقال: إِنَّ اللَّهَ فِي الْمَسْجِدِ، ليس المراد أنه حَالٌّ فِيهِ، وبِهَذَا الْمَعْنَى يُقَالُ: اللَّهُ فِي قَلْبِ فُلَانٍ، وفلان مَا عِنْدَهُ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ".
ويمكن أن يستدل هنا بعض الباحثين أن شيخ الإسلام قد تساهل معهم، لأن هؤلاء الصوفية قد تكلموا حال صحوهم، ووجدهم، ولم نجد لهم إنكارا لتلك الشطحات حال صحوهم، والرد على ذلك أننا نرد على تأويل الشطح، وليس ثبوت ما يخالفه عمن وقع منه ذلك، ولا يمكن أن نطلب تأويلا لكل حادثة بعينها، لأنهم صنفوا في ضوابط هذا الشطح، وإنما نقول أن لازم المذهب ليس بمذهب ما لم يلتزمه صاحبه، فمتى التزمه حال صحوه وقال به فهنا يثبت الحكم.

القاعدة الخامسة: عدم إطلاق التعميمات في الأحكام على المخالف الذي ينطلق من أصول صحيحة:
كان من منهج شيخ الإسلام عدم تعميم الأحكام على الفرق والطوائف التي انطلقت من أصول صحيحة، وإن فشت فيها البدع بعد ذلك، أما التي انطلقت من أصول مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان فكان يعمم الأحكام عليها، وذلك كأحكامه على الروافض والخوارج والباطنية والمرجئة، وذلك لأن أصول مذاهبهم التي انطلقوا منها تقوم على مخالفة الكتاب والسنة، بخلاف الأصول التي انطلق منها المذهب الصوفية من حيث الزهد والأخلاق والعقائد.
وتطبيق هذه القاعدة نجده عند شيخ الإسلام حينما عرض مذاهب الفرق المختلفة في أفضل الأولياء بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أن أفضل الأولياء باتفاق أئمة السلف والخلف هما أبو بكر وعمر، وأن الشيعة يفضلون عليا، وحينما عرض مذهب الصوفية قال: "ومن قال من مخطئي الصوفية أنه قد يمكن أن يكون في المتأخرين من هو أفضل من أبي بكر وعمر، فقد عمم شيخ الإسلام الحكم على الشيعة، وحينما أراد أن يتكلم على الصوفية قال أن البعض منهم هم المخطئون في تفضيل بعض الأولياء على أبي بكر الصديق، رغم أن شيخ الإسلام قد عاصر غلاة الصوفية، وكانت بينهما المناظرات، إلا أن ذلك لم يدفعه لتعميم الأحكام عليهم.
 ومثال أخر للتطبيق أنه حينما أراد أن يرد على بعض الصوفية في إثبات صفة العشق لله، لم يعمم الحكم في الصوفية، لأنه ليس مذهب عامتهم، فقال شيخ الإسلام:"وهذا قول بعض الصُّوفية والجمهور لا يطلقون هذا اللَّفظ في حق الله لأن العشق هو المحبة المفرطة الزائدة على الْحَد الَّذِي يَنْبَغِي وَالله تَعَالَى محبته لَا نِهَايَة لَهَا فَلَيْسَتْ تَنْتَهِي إِلَى حد لَا تنبغي مجاوزته".
وهذا المنهج من شيخ الإسلام جعله يقول بالإنصاف في الحكم عليهم، لأن وقوع الانحراف الانحراف وارد في كل فرقة، إلا أنه لا يوجب إنكار الطريقة بأكملها، يقول شيخ الإسلام: "حَتَّى صَار المنحرفون صنفين صنف يقر بِحَقِّهَا وباطلها وصنف يُنكر حَقّهَا وباطلها كَمَا عَلَيْهِ طوائف من أهل الْكَلَام وَالْفِقْه وَالصَّوَاب إِنَّمَا هُوَ الْإِقْرَار بِمَا فِيهِ وَفِي غَيرهَا من مُوَافقَة الْكتاب وَالسُّنة وَالْإِنْكَار لما فِيهَا وَفِي غَيرهَا من مُخَالفَة الْكتاب وَالسّنة".
القاعدة السادسة: اتباع المنهج التاريخي للبحث في أصالة المنهج من عدمه:
حينما عرض شيخ الإسلام مذهب الصوفية، أنكر عليهم في اعتماد مذهبهم استبعاد القرون الثلاثة المفضلة في بداية تصانيفهم المشهورة في التأريخ للتصوف، وأوضح أن منهم من لم يسلك مسلك الإمام أحمد في كتابه الزهد، فهذا الإعراض كان قصورا في المنهج الصوفي في التصنيف عند المتقدمين، لأن حياة الصحابة والتابعين كانت أشد زهدا من المتأخرين، ثم علق ببيان أن معرفة الأصول تقطع الشك في القلوب بقوله: "فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله وأصل ما تولد فيه من أعظم العلوم نفعا. إذ المرء ما لم يحط علما بحقائق الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة".
وحينما أراد شيخ الإسلام أن يحكم على الصوفية، قام بالتفريق بين المتقدمين والمتأخرين، فأوضح أن المتقدمين والمتأخرين في القسمة الزمانية ثلاثة أصناف: قومٌ على مذهب أهل الحديث كهؤلاء المذكورين في المتقدمين في الغالب، وقومٌ على طريقة أهل الكلام كأبي القاسم القُشَيري، وقومٌ خرجوا إلى طريقة المتفلسفة كمن سلك مَسْلك إخوان الصفا وأبي حَيَّان التوحيدي، ثم بين أن ابن عربي وابن سبعين هم من أهل الفلسفة الذبن غيَّروا عبارتها وأخرجوها في قالب صوفي، وبذلك أخرجهم شيخ الإسلام من الصوفية لتبرؤ الصوفية المحققين منهم.
وكان من منهج شيخ الإسلام التتبع للمحدثات التي دخلت في التصوف، وبيان كونها من طريقة المتقدمين أم لا، ومثال ذلك تتبع شيخ الإسلام لمبحث الأسماء والصفات لدى الصوفية الأوائل، فقد أبان شيخ الإسلام أن منهج المتقدمين منهم أبعد ما يكون عن الإلحاد في الأسماء والصفات، وأن مذهبهم هو ما كان عليه سلف الأمة، إلا أن كثيرا من متأخري الصوفية دخلوا في مذهب الإباحة والحلولية، وخلطوا التصوف بالفلسفة اليونانية، كما خلطه بعضهم بشيء من أقوال أهل الكلام الجهمية، وهذه الأقوال إنما تلقوها من قول النصارى وفلاسفتهم.
فلم يكن من الكافي لدى شيخ الإسلام إثبات الحقيقة على ما هي عليه الآن فحسب، لأن ذلك يفضي إلى التعميم، وإنما التحقيق بالبحث التاريخي في المسائل من أجل تحقيق الإنصاف في الأحكام، وهذا مثال للباحث المنصف الذي يبذل الجهد في الوصول للأحكام، ومعرفة الأصيل من الدخيل في الفكر محل الدراسة.

القاعدة السابعة: حمل المجمل على الغالب والمفصل من كلام القوم:
كان من منهج شيخ الإسلام في تأويل مقالات العلماء بحملها على المحمل الحسن، يقول شيخ الإسلام: "قَالَ أَبُو الْقَاسِم عرفُوا مَا هُوَ حق الْقدَم وتحققوا بِمَا هُوَ نعت الْمَوْجُود عَن الْعَدَم وَكَذَلِكَ قَالَ سيد هَذِه الطَّائِفَة الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ التَّوْحِيد إِفْرَاد الْقدَم من الْحَدث، قلت هَذَا الْكَلَام فِيهِ إِجْمَال والمحق يحملهُ محملًا حسنا وَغير المحق يدْخل فِيهِ أَشْيَاء.
والمحمل الحسن هنا ليس توجيهه إلى ما يوافق الشرع، وإنما توجيهه إلى ما يوافق مذهبه، لأن قد يكون في نسبة الأقوال المجملة للشرع ما لا يكون مراد المتكلم في الأصل، وإنما يُعلَمُ مرادُ المتكلم من تفصيله وما يوافق غالب كلامه، وليس من الإنصاف توجيه أصحاب المقالات الباطلة بما يوافق الشرع، لذلك يقول شيخ الإسلام في منهجه في توجيه كلام أهل المقالات: " الْكَلَام الْمُجْمل من كَلَامهم يحمل على مَا ينْسب سَائِر كَلَامهم.
وهذه القاعدة عامة في فهم النصوص، فإنه متى أشكل نص بإجماله وجب البحث في تفصيله، ولا شك من منفعة بيان الإجمال، والأوجه التي يحتملها النص، خاصة إن اشتمل على أوجه فاسدة، فإن العالم مطالب ببيان الحق دون تسرع في الحكم، وبإنصاف، ولا ينشغل بالحكم على الناس في البداية.
وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على كلام شيخ الإسلام نفسه، فقد تكلم في بعض المواطن عن الصوفية بإجمال، من ذلك قوله: "كَمَا أَن الصُّوفِيَّة وَنَحْوهم إِلَى النَّصَارَى أقرب فَإِن النَّصَارَى عِنْدهم عبَادَة وزهد وأخلاق بِلَا معرفَة وَلَا بَصِيرَة فهم ضالون"، إلا أنه قد وضح هذا الإجمال في موضع آخر بقوله: "فإن منحرفة أهل الكلام فيهم شبه اليهود ومنحرفة أهل التصوف فيهم شبه النصارى".
القاعدة الثامنة: اعتبار المصطلح الصوفي من معجم الصوفية وأنه لا مشاحة في الاصطلاح:
هناك من أنكر على الصوفية أن يكون لهم معجمهم الخاص كأهل كل فن، فكما أن لأهل الأصول معجمهم، فلأهل الفلسفة معجمهم، لذلك نجد أن الواجب عند الأصوليين غير الواجب عند الفلاسفة، فلا يوجد ما يمنع أن يكون للصوفية كأصحاب علم أن يكون لهم معجمهم الخاص، وهذا ما ذكره شيخ الإسلام عند شرحه لمصطلح الفقر في الكتاب والسنة، فذكر أن الفقر المراد فيهما هو المضاد للغنى، والذي منه المسوغ لأخذ الزكاة، وضده الغنى المانع لأخذ الزكاة، قال تعالى: فقال في الأولى: ﴿ إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ﴾، ثم أوضح أنه لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب، صار الفقر في اصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد، فإذا قيل: هذا فيه فقرلم يرد به عدم المال، إنما يراد به ما يراد باسم الصوفي من المعارف والأحوال والأخلاق والآداب ونحو ذلك، وفي ذلك إقرار لمصطلح الصوفي المشتق من التصوف، وأن الإشكال ليس في التسمية، وإنما في المعنى الواقف وراءه.
كما استخدام شيخ الإسلام المعجم الصوفي مقرا له، فكان يصف علماء الصوفية المبرزون بالقطب، والعارف، فقد وصف الجيلي بأنه قطب العارفين.
وقد ذكر شيخ الإسلام تأصيلا لهذه القاعدة، وردا على بعض الصوفية الذين يقولون أن الله يرى بالأعين في الدنيا مستدلين بأقوال لاوائل لصوفية: "واعلم أن ألفاظ الصوفية وعلومهم تختلف، فيطلقون ألفاظهم على موضوعات لهم، ومرموزات وإشارات تجرى فيما بينهم، فمن لم يداخلهم على التحقيق، ونازل ما هم عليه، رجع عنهم خاسئًا وهو حسير"، ثم ذكر إطلاقهم لفظ الرؤية بالتقييد، فقال: كثير ما يقولون: رأيت الله، وذكر عن جعفر بن محمد قوله لما سئل: هل رأيت الله حين عبدته؟ قال: رأيت الله ثم عبدته. فقال السائل: كيف رأيته؟ فقال: لم تره العيون بتحديد العيان، ولكن رأته القلوب بتحقيق الإيقان".
وقد استخدم شيخ الإسلام ألفاظ الصوفية، إذ لا مشاحة في الاصطلاح، والعبرة بما تحمله تلك المعاني، بذلك يقول في مقدمته لكتاب أمراض القلوب وشفاؤها عن سبب تأليفه، فكان مما ذكره من الألفاظ: "المقامات" و"الأحوال"، وأنها من أصول الايمان، ومن هذه المقامات والأحوال محبة الله ورسوله والتوكل والإخلاص والشكر والصبر والخوف والرجاء.
وقال أيضا الاحتجاج بمصطلحاتهم حينما تكلم شيخ الإسلام عن الإرجاء، فقال أن الصوفية يدخلون أعمال القلوب التي يسمونها أحوالاً ومقامات أو منازل السائرين إلى الله أو مقامات العارفين، كل ما فيها مما فرضه الله ورسوله فهو من الإيمان الواجب، وفيها ما أحبه ولم يفرضه، فهو من الإيمان المستحب، فالأول لابد لكل مؤمن منه، ومن اقتصر عليه فهو من الأبرار أصحاب اليمين، ومن فعله وفعل الثاني كان من المقربين السابقين.
والشاهد من كلام شيخ الإسلام أن من لم يفهم مراد الصوفية لتقصير عن فهم مفرداتهم، فحتما سيسيء الحكم عليهم، وإساءة الحكم عليهم دليل على التقصير في طلب الفهم، وانعدام المنهج العلمي في التأويل، وإساءة ظن بالآخرين.

القاعدة التاسعة: عدم الخوض في الأقوال المشتهرة دون سند:
كان منهج شيخ الإسلام عدم الخوض في الأقوال المشتهرة على الألسنة ما لم يصح سندها، وذلك لأن الأحكام تحتاج لورع ودين، فالمرء مؤاخذ أمام الله جل وعلا بما يصدر عنه من أقوال وأفعال الله، فشيخ الإسلام لم يتكلم في الحلاج في أول الأمر لأنه كان يرى أن غالب الأقوال المنسوبة إليه في سندها مقال، فقد نسبت له هذة الروايات الشطح المؤدي للحلول والاتحاد، لكنه حينما علم حاله ومقالاته تكلم فيه، فقد تكلم فيه وأشار إليه كما في جامع الرسائل، وقال عنه: "لهذا كانت فرقة ابن سبعين فيها من رجال الظلم جماعة منهم الحلاج - وعند جماهير المشايخ الصوفية وأهل العلم أن الحلاج لم يكن من المشايخ الصالحين؛ بل كان زنديقًا" وقال في تبرؤ الصوفية الحقيقيين من الحلاج: "وَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْعَالِمُونَ بِحَالِ الْحَلَّاجِ فَلَيْسَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ يُعَظِّمُهُ".

القاعدة العاشرة: التمييز بين أئمة الصوفية المعتدلين وبين أتباعهم الغالين فيهم من بعدهم:
كان من منهج شيخ الإسلام التفريق بين أئمة التصوف المعتدلين وأتباعهم الذين غلوا فيهم، فإن الغلو قد حصل في الأنبياء، والصالحين، ولا يضرهم هذا الغلو بشيء لأنهم لم يأمروا به، ولم يشهدوه ليقروه، لذلك حينما كان شيخ الإسلام يتكلم عن فرق الصوفية وجماعتهم، يفرق بين ما وصلوا إليه من انحراف، وما كان عليه إمامهم الذي ينتسبون إليه، فحينما تكلم عن عدي بن مسافر بن صخر وصفه بالصلاح، وأن له أتباع صالحون، إلا أن من أصحابه من غلا فيه إلى حد الكفر.
وهذا التفريق يمكن أن يوجد في شيء منه في قاعدة العدل والإنصاف، والتفريق بين المتقدمين والمتأخرين، إلا أنه يضيف بعدا آخر في العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، وعدم مسؤولية المتقدمين عما صنعه أتباعهم، فلا ينبغي أن نظن أن الرفاعي كان على ما عليه الرفاعية، أو أن عبدالقادر الجيلاني كان على ما كان عليه القادرية، وهو يشابه انتساب الأشاعرة للإمام الأشعري رغم مخالفتهم لما استقرت عقيدته عليه.

القاعدة الحادية عشرة: التفريق بين المجتهد والمقصر في طلب الحق:
ومن قواعد الشريعة الإسلامية أن المجتهد المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد، وهذا القول هو ما طبقه شيخ الإسلام على الصوفية حينما أراد إنزال الأحكام عليهم فقال: "فالمجتهِدُ الْمَحْضُ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَأْجُورٌ، وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمَحْضِ مُسْتَوْجِبٌ لِلْعَذَابِ، وَالْمُرَكَّبُ مِنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ مُسِيءٌ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى دَرَجَاتٍ بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ وَبِحَسَبِ الْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى فِقْهٍ أَوْ تَصَوُّفٍ مُبْتَلُونَ بِذَلِكَ".
ومن هنا وجب البحث عما كان الرجل مجتهدا في طلب الحق، أم أنه مقلد للتقليد الأعمى، مقصر في طلب العلم، عاملاً بما لم يعلم، والكتاب والسنة يحثان على طلب العلم قبل القول والعمل، ومن هنا نلتمس لهم الزلات، ونغفر لهم العثرات، لكننا نردها ونبين عوارها، وهذا هو الحق المبين في هذه المسألة والله أعلم.

القاعدة الثانية عشرة: عدم الحكم بالظن، مع التفريق بين الأصول والفروع لمعرفة قدر الخلاف والحكم على المخالف:
لقد أنكر شيخ الإسلام على من يبادر إلى تأويل أقوال المخالف بغلبة الظن، موضحا أن ذلك المنهج في التأويل قد يؤدي إلى التكفير إن كان متصلا بأمور الاعتقاد، فالحكم بالظن أمر مذموم في الشرع، يقول شيخ الإسلام: "من الناس من يبادر إلى التأويل بغلبات الظنون من غير برهان قاطع ولا ينبغي أن يبادر إلى تكفيره في كل مقام بل ينظر فيه فإن كان تأويله في أمر لا يتعلق بأصول العقائد ومهماتها فلا نكفره".
ثم أخذ شيخ الإسلام في الاسترسال لشرح هذه القاعدة ضاربًا لها الأمثلة حتى يتبين المقام لمن يتصدر لإلقاء الأحكام القطعية دون بالظن المذموم الذي يمنعه من إقامة الحجة والبرهان للتبين من الحكم، وإلا فهناك قدر من الظن المعمول به في الشرع لأنه لا يتيسر لكل إنسان شهود كل الأمور، فأوجب الشرع العمل بشهادة العدول، وقبول خبر الواحد.

القاعدة الثالثة عشرة: التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين من الصوفية:
دائما ما نجد في كلام شيخ الإسلام التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين حينما يعرض للقضايا الصوفية التي أحدثها المتأخرون، فقد نص على أن طريقة الفلاسفة المتأخرين والباطنية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول، وابن رشد الحفيد، وملاحدة الصوفية تختلف عن طريقة عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنَّة، ويذكر أيضًا أن كثيرًا من متأخري الصوفية دخلوا في مذهب الإباحة والحلولية، وخلطوا التصرف بالفلسفة اليونانية، كما خلطه بعضهم بشيء من أقوال أهل الكلام الجهمية[33].
 فنصوص شيخ الإسلام كانت تحتوي في غالبها على التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في الزمان والمنهاج، خاصة بين من كانت أصولهم صحيحة ثم حصل الفساد العارض من المنتسبين، يدل النص التالي على تفريق شيخ الإسلام بين متقدمي ومتأخري الصوفية وأهل السنة في آن واحد، فيقول شيخ الإسلام: " وقد غلط طائفة ظنوا أنه نفسه الذي يسمع منه القرآن، وهو الذي يقرؤه بنفسه بلا واسطة عند قراءة كل قارئ، كما غلطوا في القرب، وهم طائفة من متأخري أهل الحديث ومتأخري الصوفية"[34].
 وهذا يجعلنا نقول: أن تفريق شيخ الإسلام بين المتقدمين والمتأخرين في كل من الصوفية وأهل الحديث يجعلنا نتيقن أنه ثم فرق بين المنهج والانتساب للمنهج، فالخيرية في المتقدم لأنهم السلف، والمتأخر هو من غير وبدل في الأصل الذي وضع له، لذلك نرى متقدمي أهل السنة يمدحون التصوف القائم على الكتاب والسنة، وأنه لا يجوز أن يُنسَبَ لهم ما وقع فيه المتأخرون وما أحدثوه في التصوف الأصيل قبل دخول المحدثات والبدع عليه، لذلك على من اتبع طريق السلف أن يفهم جيدا مسألة التفريق بين الصوفية الأوائل والمتأخرين حتى لا يسيء للسلف بسوء فهمه للقضايا المطروحة، وقصر فهمه.

القاعدة الرابعة عشرة: التحقيق في المسائل وتفصيلها قبل إنزال الأحكام:
فقد أبان شيخ الإسلام هذه القاعدة من خلال تحقيقة لما نسب إلى الصوفية من أقوال، وقد ذكر شيخ الإسلام هذه القاعدة في أثناء عرضه لمسألة الغشيان والسكر عن الصوفية بقوله: "فهكذا يجب التفصيل في هذه الأحوال والله أعلم"[35] كأنما يقول بلسان الحال والمقال رادا على من تسرع في الأحكام، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ولا ينبغي التسرع في الحكم وإنزاله على كل من حصل لهم الوجد أو السكر بحكم واحد، والظاهر أن شيئا من هذا التسرع قد حصل في عصره، وإلا لما أشار إليه في غالب كتاباته. ولدينا مثال، وهو:

تحقيق شيخ الإسلام لمسألة الفناء الصوفي:
وقد فرق شيخ الإسلام بين المعاني المختلفة للفناء، ووضح أنه الفناء عند الصوفية ثلاثة أمور:
الأول: فناء القلب عن إرادة ما سوى الرب بالتوكل وعبادة القلب، فهذا حق صحيح يراد به الفناء عن عبادة الغير[36].

الثاني: فناء القلب عن شهود ما سوى الرب، فهذا الفناء فيه نقص، لأن شهود الحقائق على ما هي عليه هو شهود الرب مدبرا لعباده آمرا بشرائعه أكمل من شهود وجوده أو صفة من صفاته، ولهذا كان الصحابة أكمل شهودا من أن ينقصهم شهود للحق مجملا عن شهوده مفصلاً[37].

الثالث: فناء عن وجود السوى، بمعنى أنه يرى أن الله هو الوجود وأنه لا وجود لسواه لا به ولا بغيره وهذا القول والحال للاتحادية الزنادقة من المتأخرين كالبلياني والتلمساني والقونوني ممن قالوا أن الله عين الموجودات، ولا وجود لغيره.

وهنا يأتي التفصيل من شيخ الإسلام بقوله أنهم لو أرادوا قول الله تعالى ﴿كل شيء هالك إلا وجهه ﴾ لكان ذلك هو الشهود الصحيح، أما لو أرادوا أن الله هو عين الموجودات فهذا كفر وضلال، ثم قال شيخ الإسلام معلقا على هذا التقسيم: " فتدبر هذا التقسيم فإنه بيان الصراط المستقيم"[38]، وهذا التفصيل هو ما نقصده في تقعيد شيخ الإسلام لهذه القواعد، ليس في الحكم على الصوفية فقط، وإنما لمن طلب الحق غير متعصب لمذهب، وإنما تعصب للحق وحده.

القاعدة الخامسة عشرة: دراسة آراء السابقين من السلف دون تقديسها ما لم يحصل الإجماع عليها:
من خلال دراسة تراث شيخ الإسلام ومراجعة منهجه العلمي، نجد أنه كان موقرا لسلف الأمة وآرائهم، عقيدة ومنهجا، إلا أنه ذلك لم يدفعه إلى تقدي ما لم يحمعوا عليه، فكل مسألة لم يقم عليها إجماع ثابت عن السلف فهي خاضعة للبحث والمناقشة، وهذا ما قام به شيخ الإسلام في دراسته لكل الآراء، وهذا هو الجانب التنظيري.
 أما الجانب التطبيقي فقد نقل شيخ الإسلام ما نقل عن أئمة السلف في الصوفية، وأنهم ذموا التصوف، ولم يجعل ذلك النقل يؤثر على وجهته العلمية في تحرير محل النزاع، ولم يتهمه أعلام السلف ممن جاء بعده أنه يطعن في السلف كما يحصل في مثل هذه الأيام، فقد نقل شيخ الإسلام أن الأئمة الشافعي ومالك وطائفة من أهل العلم ومن العباد أيضا من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وأبي حنيفة وأهل الحديث والعباد قد ذموا التصوف، بينما مدحه آخرون، إلا أنه ذهب إلى أن التحقيق فيه: "أنه مشتمل على الممدوح والمذموم كغيره"[39]، فكما نرى أن شيخ الإسلام لم يقدس رأي من سبقه من الأئمة المجتهدين طالما أنه لم يخالف النص والإجماع، وإنما أخضعها للبحث والتحقيق كباحث محقق منصف، وكأنما يرد شيخ الإسلام على من يزعم نبذ التقليد، ثم يذهب فيقدس أقوال الأئمة، ويقبلها رغم أنها يمكن توجيهها بأكثر من وجه.








 


 


الخاتمة

1 - لم يكن شيخ الإسلام يقول بأن التصوف بدعة.
2 - أنه يقول أن أصل التصوف هو الزهد والتعبُّد، وهو أصل مشروع.
3 - أنه كان يدعو للتحقيق فيما ينسب للتصوف من أقوال وأفعال.
4 - أن شيخ الإسلام قد قسم الصوفية إلى طبقتين: المتقدمين، والمتأخرين، فالمتقدمين هم ما كانوا على النقاء في العقائد والأعمال كالفضيل والجنيد، أما المتأخرين فهم من أحدثوا في التصوف وأدخلوا فيه ما ليس منه.
5 - أن شيخ الإسلام كان يعتبر آراء المتقدمين ويحتج بهم.
6 - أن شيخ الإسلام كان يثني على الصوفية الأوائل وأتباعهم، ويصنفهم كنوع ثالث من العلماء، ويثني على علومهم.
7 - أن شيخ الإسلام كان ينطلق في حكمه على الصوفية على قواعد مطردة تقوم على ضوابط الحكم على المعين مع مراعاة العدل والإنصاف، واعتبار المصطلح الصوفي والبحث التاريخي.
8 - أن شيخ الإسلام كان من أشد الناس توقيرًا للسلف ولآرائهم دون أن يوصل هذه الآراء إلى التقديس طالما أنها لم يحصل عليها الإجماع.
والحمد لله بدءًا ومنتهى












مصادر ومراجع البحث
1 - اجتماع الجيوش الإسلامية، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق عواد عبدالله المعتق، مطابع الفرزدق التجارية – الرياض، الطبعةالأولى 1408هـ / 1988م.
2 - الاستقامة،تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي،تحقيق د. محمد رشاد سالم،جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
3 - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية.
4 - أمراض القلب وشفاؤها، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، المطبعة السلفية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1399هـ.
5 - بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية؛ ابن تيمية ، تحقيق: موسى الدويش، مكتية العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثالثة، 1415هـ / 1995م.
6 - بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية؛ ابن تيمية، تحقيق: مجموعة من المحققين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الطبعة الأولى، 1426هـ.
7 - التحفة العراقية في الأعمال القلبية؛ ابن تيمية، المطبعة السلفية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1399.
8 - جامع الرسائل؛ ابن تيمية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر دار العطاء – الرياض، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م.
9 - جامع المسائل لابن تيمية؛ ابن تيمية، تحقيق: محمد عزير شمس، إشراف: بكر بن عبدالله أبو زيد، الناشر دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ.
10 - الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية؛ ابن تيمية، تحقيق: علي بن حسن - عبدالعزيز بن إبراهيم - حمدان بن محمد، دار العاصمة، السعودية، الطبعة: الثانية، 1419هـ / 1999م.
11 - الحسنة والسيئة؛ ابن تيمية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
12 - درء تعارض العقل والنقل؛ ابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية، 1411 هـ - 1991 م.
13 - دقائق التفسير؛ ابن تيمية، تحقيق: د. محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، الطبعة: الثانية، 1404.
14 - الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق؛ ابن تيمية، تحقيق: علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد – مكة، الطبعة الأولى 1429هـ.
15 - الرد على المنطقيين؛ ابن تيمية، تحقيق: - دار المعرفة، بيروت، لبنان.
16 - سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.
17 - شرح الرسالة التدمرية، المؤلف: محمد بن عبدالرحمن الخميس، دار أطلس الخضراء، الطبعة: 1425هـ / 2004م.
18 - صحيح وضعيف سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، دار المعارف.
19 - الصفدية؛ ابن تيمية، تحقيق: محمد رشاد سالم، مكتية ابن تيمية، مصر، الطبعة الثانية، 1406هـ.
20 - الصوفية والفقراء، ابن تيمية، تقديم محمد جميل غازي، دار المدني، القاهرة.
21 - الفتوى الحموية الكبرى؛ ابن تيمية، تحقيق: د. حمد بن عبدالمحسن التويجري، دار الصميعي – الرياض، الطبعة الثانية 1425هـ / 2004م.
22 - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ ابن تيمية، حققه وخرج أحاديثه: عبدالقادر الأرناؤوط، مكتبة دار البيان، دمشق، 1405 هـ - 1985 م.
23 - مجموع الفتاوى؛ ابن تيمية، تحقيق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ / 1995م.
24 - موقف ابن تيمية من التصوف والصوفية ومنهجه في الحكم عليهم؛ غنيم غنيم عبدالعظيم، مقال منشور بشبكة الألوكة الثقافية.


[1] - انظر مجموع الفتاوى (11/ 19-20).
[2] - انظر الصفدية (1/ 267).
[3] - انظر: الرد على الشاذلي في حزبيه وما صنفه في آداب الطريق (40).
[4] - انظر الصفدية (2/ 338).
[5] - انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (74).
[6] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (2/ 186-187).
[7] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (2/ 186-187).
[8] - انظر: الاستقامة (2/ 162).
[9] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (2/ 179).
[10] - مجموعة الرسائل والمسائل (5/ 99).
[11] - انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (103).
[12] - انظر: مجموع الفتاوى (12/ 353).
[13] - انظر: درء تعارض العقل والنقل (5/ 4 - 5).
[14] - انظر: الاستقامة (1/ 85 - 86).
[15] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (2/ 109 - 111).
[16] - انظر: الاستقامة (1/ 81 - 83).
[17] - انظر: الاستقامة (1/ 167).
[18] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 212).
[19] - انظر: الاستقامة (1/ 168).
[20] - انظر: بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (1/ 271).
[21] - انظر: التحفة العراقية (68).
[22] - انظر: الاستقامة (1/ 90 - 91).
[23] - انظر: الاستقامة (1/ 100).
[24] - انظر: الاستقامة (1/ 144).
[25] - انظر: الحسنة والسيئة (109).
[26] - انظر: أمراض القلوب وشفاؤها (68).
[27] - انظر: الفتوى الحموية الكبرى (373 - 374).
[28] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 552).
[29] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 552).
[30] - انظر: الاستقامة (2/ 67 - 68).
[31] - انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (17).
[32] - انظر: مجموع الفتاوى (11/ 401).
[33] - انظر: درء تعارض العقل والنقل (5/ 7).
[34] - انظر: شرح حديث النزول (140).
[35] - الاستقامة (2/ 164).
[36] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 337).
[37] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 338).
[38] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 342 - 343).
[39] - انظر: مجموع الفتاوى (10/ 370).

التعليقات



عن الموقع

موقع محمود العيسوي: موقع إلكتروني ثقافي شامل.

إحصائيات الموقع

شبكة الألوكة

زيارة شبكة الألوكة

جميع الحقوق محفوظة

موقع محمود العيسوي

2019


تطوير

ahmed shapaan